فصل: ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْإِمَامِ يَخْطُبُ وَيُصَلِّي غَيْرُهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ خُطْبَةِ الْإِمَامِ:

1804- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَكَلَّمْتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ وَأَلْغَيْتَ». يَعْنِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.

.ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ إِنْصَاتِ النَّاسِ بِالْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ:

1805- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ لَغَوْتَ».
1806- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَارِظٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

.ذِكْرُ الْأَمْرِ بِإِنْصَاتِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ:

1807- حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ أَبِي يَرْقَانَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: بَيْنَمَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَائِمًا يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، وَأَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَنِ اجْلِسْ فَأَبَى، فَقَالَ الثَّانِيَةَ: مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَقِيَامِ السَّاعَةِ؟» قَالَ: لَا شَيْءَ وَاللهِ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمِمَّنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا رَأَيْتَهُ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَاقْرَعْ رَأْسَهُ بِالْعَصَا. وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَوَامُّ أَهْلِ الْفُتْيَا.
1808- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، حَصَبَ رَجُلَيْنِ كَانَا يَتَكَلَّمَانِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
1809- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عُمَرَ يُشِيرُ إِلَى رَجُلٍ فِي الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.
1810- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الشَّيْخَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَاقْرَعْ رَأْسَهُ بِالْعَصَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ النَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو بُرْدَةَ، يَتَكَلَّمُونَ وَالْحَجَّاجُ يَخْطُبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ لِقَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَكَلَّمْتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ وَأَلْغَيْتَ». يَعْنِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْإِشَارَةِ وَتَحْصِيبِ مَنْ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَنْ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِالْإِنْصَاتِ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْصِبُ مَنْ تَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَرُبَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يُشِيرَ إِلَى مَنْ يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ الرَّمْيَ بِالْحَصَاءِ، وَمِمَّنْ كَرِهَ الْإِشَارَةَ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ طَاوُسٌ، وَكَرِهَ الرَّمْيَ بِالْحَصَا زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَعَلْقَمَةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا تَكَلَّمَ امْرُؤٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أُشِيرَ إِلَيْهِ؛ اسْتِدْلَالًا بِإِشَارَةِ مَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لِرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ، مَعَ أَنَّ حَالَ الْخُطْبَةِ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ حَالِ الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الَّذِينَ دَخَلُوا فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ، وَالْإِشَارَةُ تَحْسُنُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ عَنْهُ سَبَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ لَمَّا جَازَ فِي الصَّلَاةِ يَفْهَمُ بِهِ الْمُصَلِّي مَنْ سَبَّحَ بِهِ، كَانَ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ أَجَوْزَ، يَفْهَمُ بِهِ مَنْ سَبَّحَ بِهِ، فَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْحَصَا وَمَسُّهُ، فَلَسْتُ أَرَاهُ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ بِهِ أَذًى لِلْمَرْمِيِّ بِهِ، وَمَسُّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا». وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى.

.ذِكْرُ إِنْصَاتِ مَنْ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكَلَامِ وَالْمُتَكَلِّمُ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ:

فَرَأَتْ طَائِفَةٌ الْإِنْصَاتَ سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا، كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَقُولُ: لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ مِثْلُ مَا لِلسَّامِعِ الْمُنْصِتِ. وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَمَاهُ بِحَصًى، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا رَأَيْتَ الشَّيْخَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَاقْرَعْ رَأْسَهُ بِالْعَصَا.
وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ.
1811- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ، قَلَّ مَا يَدَعُ ذَلِكَ إِذَا خَطَبَ: إِذَا قَامَ الْإِمَامُ فَخَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْمَعُوا وَأَنْصِتُوا، فَإِنَّ لِلْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِنَ الْحَظِّ مِثْلَ مَا لِلسَّامِعِ الْمُنْصِتِ.
1812- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَتَكَلَّمُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَرَمَاهُ بِحَصَاةٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ فِي الْكَلَامِ لَمْ أُحِبَّ أَنْ يَتَكَلَّمَ حَتَّى يَقْطَعَ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ الْآخِرَةَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.
وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْكَلَامِ إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَرُوِّينَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ أَنْ نُنْصِتَ لِهَذَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ؛ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَكَلَّمْتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ». وَالْكَلَامُ غَيْرُ جَائِزٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.

.ذِكْرُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ فِي نَفْسِ الْقَارِئِ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ خُطْبَةَ الْإِمَامِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَرْءِ يَذْكُرُ اللهَ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ أَوْ يَقْرَأُ، فَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِيهِ، فَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي الْقِرَاءَةِ النَّخَعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ: لَعَلَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ. وَرَخَّصَ عَطَاءٌ فِي الذِّكْرِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ بَأْسًا إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْعَاطِسِ: يَحْمَدُ اللهَ فِي نَفْسِهِ قَدْرَ مَا يُسْمِعُ أُذُنَيْهِ. وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، كَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: كَانَ يُؤْمَرُ بِالصَّمْتِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: لَا يَدْعُو أَحَدٌ بِشَيْءٍ وَلَا يَذْكُرُ، إِلَّا أَنْ يَذْكُرَ اللهَ.
وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَأْمُرُ بِالصَّمْتِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: أَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ يَسْتَمِعَ وَيُنْصِتَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَذْكُرُ اللهَ فِي نَفْسِهِ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ إِنْ شَاءَ.

.ذِكْرُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: يَرُدُّ السَّلَامَ وَيُسْمِعُهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ، فَكَانَ إِذْ هُوَ بِالْعِرَاقِ يَقُولُ: وَلَا يُشَمِّتُونَ عَاطِسًا، وَلَا يَرُدُّونَ سَلَامًا إِلَّا بِإِيمَاءٍ.
وَكَانَ يَقُولُ بَعْدُ بِمِصْرَ: وَإِنْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَرِهْتُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ، وَلَوْ عَطَسَ رَجُلٌ فَشَمَّتَهُ رَجُلٌ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةٌ.
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: لَا يُشَمِّتُهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِي رَدِّ السَّلَامِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ يَمْنَعُهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: أَحَبُّ إِلَيْنَا أَنْ يَسْتَمِعُوا وَيُنْصِتُوا. وَفَرَّقَ عَطَاءٌ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، فَقَالَ: إِذَا كُنْتَ تَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ السَّلَامَ فِي نَفْسِكَ، وَإِذَا كُنْتَ لَا تَسْمَعُهَا فَارْدُدْ عَلَيْهِ وَأَسْمِعْهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ شَمَّتَ وَرَدَّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ» فَالْإِنْصَاتُ يَجِبُ عَلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ، وَإِبَاحَةُ رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ غَيْرُ مَوْجُودٍ بِحُجَّةٍ، وَالَّذِي أَرَى أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ إِشَارَةً، وَيُشَمِّتَ الْعَاطِسَ إِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ.

.ذِكْرُ شُرْبِ الْمَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاخْتَلَفُوا فِي الشُّرْبِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَرَخَّصَ فِيهِ طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَنَهَى عَنْهُ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ شَرِبَ فَسَدَتْ جُمْعَتُهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَا حُجَّةَ تَمْنَعُ مِنْهُ، وَالْوُقُوفُ عَنْهُ أَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ.

.ذِكْرُ اسْتِقْبَالِ النَّاسِ الْإِمَامَ إِذَا خَطَبَ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى أَنْ يُسْتَقْبَلَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا خَطَبَ، فَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَشُرَيْحٌ، وَعَطَاءٌ.
1813- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
1814- وَحَدَّثُونَا عَنْ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاسْتَنَدَ إِلَى الْحَائِطِ وَاسْتَقْبَلَ الْإِمَامَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ. وَقَالَ أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ: رَأَيْتُ الْفُقَهَاءَ يَسْتَقْبِلُونَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْثُ كَانُوا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنِ جَابِرٍ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، لَا أَعْلَمُهُمُ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْإِمَامِ يَخْطُبُ وَيُصَلِّي غَيْرُهُ:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِمَامِ يَخْطُبُ وَيُصَلِّي غَيْرُهُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُصَلِّي إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ. هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ خَطَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عُزِلَ فَجَاءَ آخَرُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِخُطْبَةِ الْأَوَّلِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرِ الْخُطْبَةَ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ. هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِمَامٍ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَدِمَ إِمَامٌ بِعَزْلِهِ حِينَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَتَقَدَّمَ الْقَادِمُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، قَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعَ، وَهِيَ لَهُمْ جُمُعَةٌ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ، قَالَ أَحْمَدُ: إِنْ شَاءَ قَدَّمَ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَشَهَدْ إِذَا كَانَ عُذْرٌ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ رَجُلٌ وَيَخْطُبَ آخَرُ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَعَفَ فَقَدَّمَ رَجُلًا، فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَكُونُ لَهُ وَلَهُمْ جُمُعَةً.